نشرت تحت تصنيف Uncategorized

سوف تحيا من بعدي*

مات الهوى فتعالَ نَقسِمُ إرثَهُ

بيني وبينك والدموع شُهودُ

خذ أنتَ مني ذكرياتِك كلها

وأنا سأحملُ خيبتي وأعودُ

(جمعة جارد)

أستيقظ قبل صوت المنبه ، قبل خيوط الفجر الأولى و قبل صياح الديكة في الجوار.
أستيقظ ببطئ شديد متأملة كل شيء حولي ، متمعنة النظر في كل الأشياء التي سأتركها خلفي.
أستيقظ متأملة إياك ، متمعنة النظر فيك ، متشبثة بخيالك النائم.. أستيقظ لأودعك.
أتململ قليلا في السرير ، سريري الذي سيصبح سريرها ، أتلمس ملمسه الدافئ و أفكر في كم الذكريات التي سأتركها لك.. هل ستعتني بها من بعدي ؟ أم أنك ستستبدلها بذكريات أخرى و تنساها ؟

أتخيلها مستلقية في سريري كما نحن الآن مسدلة شعرها على طرف الوسادة متوجهة إليك بجسدها ، و نظرة شغف مثيرة في عينيها ، تمد يدها الرقيقة إليك ، أمد يدي ، لكنها لا تصل ، لا أصل .. لا يصل شيء إلى شيء و لا يصل الحب إلى المعجزات و لا نصل نحن أبدا إلى النهاية.

ألعن أفكاري و أنهض من السرير ، أفكر سريعا في شرب فنجان قهوة صامت على الشرفة ، بدون وجه و لا سكر و لا موسيقى و لا أغنيات.. فنجان حداد على موتي في قلبك. متى حدث ذلك ؟ لا أعرف لكني متأكدة أنه حدث منذ وقت طويل و ليس الآن.. متأكدة أني ميتة منذ زمن ، أشعر بذلك كما أشعر بمرارة هذه السوداء في حلقي.
أرتشف رشفة أخيرة ثم أنهض لأجمع حاجياتي قبل أن تستفيق. لا أريد أن أراك.. أريد أن أراك.. أن أراك.. أراك.. يعيد الصدى صوتي إلي و كأنه يتعمد أن يفضحني فتستفيق أنت.

-مبكرة جدا. تغمغم و أنت نصف نائم ، هل تجمعين حاجياتك الآن ؟

-أردت أن أبدأ في الصباح الباكر لأعرف ما يجب أن آخذ و ما أترك.. أجيب و أنا أملأ حقائبي.

سخف منا أن نحاول أن نبدو هادئين و أن نتظاهر أننا تجاوزنا ما حدث الأيام الماضية. لماذا يحاول الإنسان أن يبدو طبيعيا دائما حتى في أسوء حالاته ؟

ينبثق صوت أنثوي آخر ، صوت أقوى و لكن له وقع مؤلم ، في القلب و الحنجرة و في كل مكان يدور فيه الدم في الجسد: لا أريد أن أودعك.. لا أريد أن أتذكر أنها المرة الأخيرة التي سأراك فيها.. لا أريد أن أشعر كما أشعر الآن.. لذلك أرجوك.. أرجوك أن تتركني وحدي إلى أن أنتهي.. و ينتهي كل شيء.

تنهض من مكانك و ببطئ شديد تحاول أن تقترب مني و تمسك يداي لكني أفلتهما. أرى شفتاك تحاولان إمساك أطراف الكلمات لكن قبل أن تنطق أقول: أرجوك لا تصعب الأمر أكثر ، لننتهي من هذا سريعا.

و ما أن تغادر الغرفة حتى أجهش بالبكاء ، أبكي كل السنوات التي مضيناها معا ، كل الذكريات التي عشناها ، أبكي جميع صورنا المغطية جدران هذا المنزل ، أبكي جميع أحلامنا و وعودنا التي قطعناها يوما ما ، أبكي موسيقانا المفضلة و كل تفاصيلنا و أسرارنا سويا ، أبكي كما لم أبك من قبل ، أبكي نفسي و أبكيك و للمرة الأخيرة أواصل البكاء.

و لأني إمرأة تحب الدراما كما تقول ، أواصل البكاء ، لا أتوقف و أقف أمامك بكل اصرار و بكل حقائبي المخزنة بالحزن و الذكريات و أقول كلمة الوداع الأخيرة ، أنظر في عينيك نظرة الحنين الأخيرة لكني لن أنسى أنك تركتني أقول لك: تركتني هناك و تركتك هنا.. و أضع يدي على قلبي المندمل و أغادر المكان ، الأمان يوما ، الحلم يوما ، الحب يوما..

و أسمعك تصرخ: أنا لم أتركك أنت من تركني.

لا ألتفت لا أتردد لا أبالي أواصل السير بثبات أصل إلى المخرج و أصر الباب ورائي بقوة:

أغبطك نعمة الخشبة ، نعمة النسيان أيها الباب. سوف تحيا من بعدي. (بسام حجار)

 

3 آراء على “سوف تحيا من بعدي*

  1. إني لم اجد وصف اجمل من هذا وكا استخدام للمعاني قد يتخللهـ بعض الضعف ولكن تمازج المعنى المنساب كتدفقـ الزمن الدافئ الخافت جعله يبدوا نص رائع…
    احسنتي تابعي

    Liked by 1 person

أضف تعليق